خلود نوح: تعلّمتُ لغة الإشارة ليعلم ضعاف السمع أن مهمة التواصل مع الآخرين لا تقع على عاتقهم وحدهم
موظفة في مؤسسة قطر تشرح كيف يمكن لأفراد المجتمع أن يلعبوا دورًا في السعي لضمان الشمول
- أردتُ أن أتمكّن من التواصل معهم بسلاسة، وجعلهم يشعرون بالراحة قدر الإمكان
- لطالما اعتقد أبناء خالتي بحاجة إلى بذل كل الجهد وحدهم للتواصل مع العالم والتغلب على التحديات التي يواجهونها
- أعتقد أن استضافة المونديال قد سرّعت من خطوات قطر لجعلها وجهة تتمتع بكافة خدمات الوصول الميسر
“جمعتنا صلة القرابة منذ الطفولة، ولكنّي أردتُ التواصل معهم على المستوى الإنساني”. كانت تلك هي اللحظة التي فكّرت فيها خلود نوح، مُحللة التخطيط الاستراتيجي في مؤسسة قطر، لأول مرة في تعلّم لغة الإشارة باللغة العربية، حتى تتمكّن من التواصل مع أبناء خالتها من ضعاف السمع.
أقامت خلود في منزل خالتها وأبنائها الأربعة خلال سنوات دراستها في جامعة كارنيجي ميلون في قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر. ومع قضائها الكثير من الوقت في المنزل، لاحظت خلود كيفية تفاعل خالتها وبقية الإخوة مع شقيقهم وشقيقتهم من ضعاف السمع بما يضمن فهمهم بوضوح وسلاسة.
التواصل معهم بسلاسة
تقول خلود: “بدأت التفكير في تعلّم لغة الإشارة حينما كان أقاربي في طور المراهقة، وهي المرحلة التي يشعر فيها الأطفال عادة بنوع من التوتر وانعدام الثقة بالنفس. حيث اعتمدا بشكل كبير في ذلك الوقت على لغة الإشارة، خاصة وأنها الطريقة التي كانا يتلقون بها تعليمهم المدرسي. فأردتُ أن أتمكّن من التواصل معهم بسلاسة، وجعلهم يشعرون بالراحة قدر الإمكان”.
تابعت: “كنتُ أتردد على مدرستهم أحيانًا، وبدأت أراقب كيفية التواصل بين الطلاب والمعلمين بمهارة باستخدام الإشارات. من هنا أردت التعرّف على لغة الإشارة قدر الإمكان، حتى أتمكن من التقاط المعاني واستيعابها على وتيرتي الخاصة”.
من هنا تطورت علاقة خلود بأبناء خالتها، وشعروا بمزيد من الثقة في التفاعل مع الآخرين خارج المنزل باستخدام لغة الإشارة كلّما أمكن. ومع ذلك، لم تكن دائمًا تجربة سلسة.
تقول خلود: “أتذكر واقعة حدثت في إحدى المراكز التجارية، عندما ذهبت ابنة خالتي لتسأل البائعة عن قياسها المناسب لقطعة من الملابس، وبطبيعة الأمر بدأت الحديث بلغة الإشارة. في البداية، لم تفهم البائعة ما كان يحدث، ثم عندما حاولت ابنة خالتي التعبير عن سؤالها بالكلمات، ونظرًا لعدم قدرتها على سماع صوتها بوضوح بسبب ضعف حاسة السمع لديها، لم يكن كلامها واضح بما فيه الكفاية، ما أثار نوع من الارتباك والسلبية من البائعة”.
أردفت: ” كنت على مسافة قريبة بما يكفي للتعرّف على صوت قريبتي وتدخلت على الفور. شرحت الأمر للبائعة، وأوضحت لها أن قريبتي تبذل ما في وسعها للتواصل معها باستخدام لغة إشارة بسيطة والإشارة إلى قطع الملابس. وأوضحتْ لها برفق أنه سيكون من المفيد لو حاولت هي أيضًا من طرفها أن تفهم ما تحاول ابنة خالتي السؤال عنه، واتباع إشاراتها. ثم، طلبتْ من ابنة خالتي إعادة سؤالها مرة أخرى، وفي تلك المرة كان رد فعل البائعة أكثر إيجابيةً ووعيًا بأنها تستطيع المساعدة”.
تعتقد خلود أن الكثير من سوء الفهم والتوتر ينتج عن قلة الوعي المتعلق بضعاف السمع، والدور الذي يمكننا القيام به لضمان تكافؤ الفرص والادماج المجتمعي.
أبناء خالتي بحاجة للتواصل مع العالم
تقول خلود: “لطالما اعتقد أبناء خالتي أنهم بحاجة إلى بذل كل الجهد وحدهم للتواصل مع العالم والتغلب على التحديات التي يواجهونها. وعندما رأوا أن أحد أفراد العائلة قد بذلت قصارى جهدها للقيام بدورها، ومحاولة التواصل معهم من الطرف الآخر، أدركوا أن المسؤولية لا تقع على عاتقهم وحدهم، بل بإمكانهم قطع نصف الطريق وبإمكان المجتمع محاولة قطع النصف الآخر، ومن ثمّ شعروا وكأنهم ألقوا بحمل كان يُثقل كاهلهم”.
رغبة في تعلم لغة الإشارة
تابعت: “كانت رغبتي في تعلم لغة الإشارة هي الجسر الذي سمح لي بملاقاتهم في منتصف الطريق واكتشاف مواهبهم التي قد لا يستطيعون التعبير عنها بألسنتهم، بل وجعلني أدرك أن البشر يحتاجون فقط إلى فرصة لإيصال أصواتهم، وإن لعب دور يتيح لهم مثل هذه الفرصة هو أمر لا يقدر بثمن”.
ألقت خلود الضوء على محاولات الأسرة العديدة لتسجيل ابنتهم الكبرى في مدرسة تقليدية، على أمل أن تتمكن من تلقي التعليم بدعم من معلمين يستطيعون الترجمة لها بلغة الإشارة، ولكنهم أدركوا في النهاية أن هذا المجال لا يزال بحاجة إلى مزيد من التركيز والجهد لدمج كافة الطلاب في نظام التعليم التقليدي.
ومع ذلك، تشعر خلود بتفاؤل كبير نحو المستقبل، لاسيما وأنها شهدت نماذج التعليم الشخصية التي تقدمها مؤسسة قطر من خلال مدارسها لتلبية احتياجات الطلاب المختلفة، بالإضافة إلى مبادرات تيسير الوصول التي مثّلت إحدى المحاور الرئيسية في استعدادات قطر لاستضافة كأس العالم FIFA قطر 2022 ™.
مؤتمر القمة العالمي للابتكار
تقول خلود: ” حضرت مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش) التابع لمؤسسة قطر والذي انعقد في أوائل شهر أكتوبر من العام الحالي، حيث لعب مترجمو لغة الإشارة في الجلسات دورًا رائعًا في ضمان توصيل الرسالة للجمهور من ضعاف السمع، ما عزز شعورهم بالاندماج والمشاركة وحقق الوصول المُيسّر”.
تابعت: “أعتقد أن استضافة المونديال قد سرّعت من خطوات قطر لجعلها وجهة تتمتع بكافة خدمات الوصول الميسر. وعندما نطرح السؤال “هل يلبي هذا النشاط أو هذا الحدث احتياجات الجميع؟”، فذلك يعني أننا نسير على الطريق الصحيح نحو مجتمع ومستقبل أكثر شمولاً”.