متى نتكلم؟ ومتى نسكت؟
بقلم: علي بن راشد المحري المهندي
خلق الله تعالى الإنسان وهيَّأ له هذا الكون الفسيح ليجد فيه راحته وأنسه وكل ما يحتاج إليه ويتمنى، بل وكل ما يجعله مستمتعًا بحياته، وهذا من فضل الله الكبير على عباده، كما أسبغ علينا، سبحانه، كثيرًا من النعم في أنفسنا لتساعدنا في أمورنا، وبذلك تتحقَّق سعادتنا في رحلة الحياة.
• عدّاد الحسنات:
ومن النعم التي رُزقنا بها: نعمة اللسان والقدرة على الكلام والتعبير عمَّا يجول بخاطرنا وما نحتاج إليه وما نشعر به وما يسعدنا وما يحزننا، فهذه نعمة عظيمة قليلٌ من يشكر الله عليها مع وجود مَن يفقدها مِن حولنا، هؤلاء فقط مَن يعلمون مدى أهميَّتها، أما مَن هو في عافية فربما يسهو عن الشكر لله على نعمة القدرة على الكلام.
وهذه النعمة لها دور كبير في حياة المسلم، بها يحقق العبوديَّة والتوحيد الخالص لله ويؤدِّي العبادات ويردِّد الأذكار، ففي اللسان عدَّاد الحسنات الذي يعمل عملًا متواصلًا لا يتوقَّف إلا في وقت النوم فقط.
• قد يكون مصدر خطورة على الفرد والمجتمع:
وعلى الرغم من أهمية هذه النعمة، نجد لها خطورتها على الفرد بشكل خاص، بل وتصل خطورتها على أسرة كبيرة بل ومجتمعات ودول بأكملها، فلا بُدَّ أن يحذر المسلم من لسانه حتى لا يورده المهالك.
فقد أخذ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بطرف لسانه وقال: «هذا الذي أوردني الموارد».
فلا بُدَّ أن نتعلَّم متى نتكلَّم لنكتسب أجرًا ومتى نصمت لنسْلَم في أنفسنا ولا نضر غيرنا.
فقد كان الصمت من هدي النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فعن سِمَاكٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بنِ سَمُرَةٍ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَكَان طَوِيلَ الصَّمْتِ، قَلِيلَ الضَّحِكِ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَذْكُرُونَ عِنْدَهُ الشِّعْرَ، وَأشياءَ مِنْ أمورهِمْ، فَيَضْحَكُونَ، وَرُبَّمَا تَبَسَّمَ» (رواه أحمد).
وَعَنْ عَائِشَةَ، رضيَ اللهُ عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، كَان يُحَدِّثُ حديثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ» (رواه البخاري).
وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، رضيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ثلاث مِرَارٍ: «رَحِمَ الله امْرَأً تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ» (رواه البيهقي).
فهذا جزء بسيط من الأحاديث النبويَّة التي تحذِّر من خطورة إطلاق اللسان وغيرها كثير، وهذا ممَّا يدلِّل على خطورة الأمر، وهذا في زمن كان انتشار الكلمة بطيئًا على عكس حياتنا اليوم، التي نرى فيها انتشار الكلمة يسابق البرق في السرعة والظهور؛ نظرًا لوجود وسائل مساعدة تُسهِم في نشر الكلام ووصوله إلى أي مكان في الكون وإلى أي شخص في أي وقت.. وهذا، واللهِ، لأمرٌ خطير لا بُدَّ من أن ينتبه إليه المسلم.
• الكلام ووسائل التواصل الاجتماعي:
ومع انتشار وسائل التواصُل بشتَّى أشكالها، التي أصبحت تحمل الكلمة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، يجب الحذر حتى لا نجلب لأنفسنا إلا الخير مما نقول.
ولا بُدَّ من أن نعلم مدى خطورة الكلمة في هذا الزمان، فتجد أشخاصًا يطلقون ألسنتهم في كل جانب، يعلِّقون ويحلِّلون وينتقدون ويقترحون في كل شيء، تجد لهم صوتًا وكلامًا ورأيًا، وهذا بلا شك أمر خطير يوقع الإنسان في الصواب تارةً وفي الخطأ تاراتٍ أخرى.
فالكلمة حجة لنا أو علينا، وكلنا مسؤولون ومحاسَبون عليها يوم القيامة.
فقد قال النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا من رضوان الله يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري ومسلم).
• الحذر واجب:
فلنحذر جميعًا ولنمسك علينا ألسنتنا فلا نتكلم إلا بخير ينفعنا ويرفع درجاتنا وكذلك ينفع غيرنا، سواء في شكل نصيحة طيِّبة أو كلمة حق أو شهادة صدق أو حوار هادف بنَّاء لا نقد فيه ولا استهزاء، فهكذا يكون الكلام نافعًا لنا ولغيرنا، وكذلك عبر مواقع التواصل، نحافظ على ضبط ألسنتنا بكل خير وعدم الدخول في نقاشات أو قضايا غير نافعة فتضيع فيها أوقاتنا وتقل هيبتنا وينقص أجرنا، فغالب ما يُطرح من موضوعات على «السوشيال ميديا» لا نفع فيه ولا فائدة.
فالكلام يجب أن يكون في الخير، وإلا فالسكوت أنفع وأسلم لنا من الوقوع في معصية أو مظالم في حق الآخرين.
• دعاء:
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من أهل الكلمة الطيبة التي نُؤجر عليها، ولا تجعلنا من أهل الكلمة الخبيثة التي نؤثم عليها، اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.